كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأما ما روى عن الحسن السبط رضي الله تعالى عنه وكان قبل له في كثرة تزوجه وطلاقه فقال: أحب الغناء فقد قال تعالى: {وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ الله كُلًا مّن سَعَتِهِ} [النساء: 130] فهو رأي منه إن كان على ظاهره، وكل ما نقل عن طلاق الصحابة رضي الله تعالى عنهم فمحمله وجود الحاجة، وظاهر الآية يقتضي عدم وجوب العدة بمجرد الخلوة لأنه سبحانه نفي فيها وجوب العدة إذا طلقت قبل الجماع والخلوة ليست جماعًا وهي عندنا إذا كانت صحيحة على الوجه المبين في كتب الفروع كالجماع في وجوب العدة فتجب فيه العدة احتياطًا لتوهم الشغل نظرًا إلى التمكن الحقيقي بل قالوا هو مثله في جميع أحكامه سوى عشرة نظمها أفضل من عاصرناه من الفقهاء الشيخ محمد الأمين الشامي الشهير بابن عابدين بقوله:
وخلوته كالوطء في غير عشرة ** مطالبة بالوطء إحصان تحليل

وفيء وارث رجعة فقد عنة ** وتحريم بنت عقد بكر وتغسيل

وظاهر قولهم بوجوب العدة فيها أنها واجبها قضاء وديانة.
وفي الفتح قال العتابي: تكلم مشايخنا في العدة الواجبة بالخلوة الصحيحة أنها واجبة ظاهرًا أو حقيقة فقيل: لو تزوجت وهي متيقنة بعدم الدخول حل لها ديانة لا قضاء. اهـ.
ولم يتعقبه بشيء وذكره سعدي جلبي في حواشي البيضاوي وقال: ينبغي أن يكون التعويل على هذا القول.
وتعقب ذلك الشهاب الخفاجي بأنه وإن نقله فقهاؤنا فقد صرحوا بأنه لا يعول عليه ونحو لم نر هذا التصريح فليتتبع، ثم لا يخفى أن عدم وجوب العدة في الطلاق بعد الخلوة مما يعد منطوقًا صريحًا في الآية إذا فسر المس بالجماع وليس من باب المفهوم حتى يقال: إنا لا نقول به كما يتوهم فلابد لإثبات وجوب العدة في ذلك من دليل.
ومن الناس من حمل المس فيها على الخلوة إطلاقًا لاسم المسبب على السبب إذا المس مسبب عن الخلوة عادة، واعترض بأنه لم يشتهر المس بمعنى الخلوة ولا قرينة في الكلام على إرادته منه، وأيضًا يلزم عليه أنه لو طلقا وقد وطئهابحضرة الناس عدم وجوب العدة لأنه قد طلقها قبل الخلوة.
وأجيب عن هذا بأن وجوب العدة في ذلك بالاجماع، وبأن العدة إذا وجبت في الطلاق بمجرد الخلوة كانت واجبة فيه بالجماع من باب أولى وكيف لا تجب به ووجوبها بالخلوة لاحتمال وقوعه فيها لا لذاتها، وقيل: إن المس لما لم يرد ظاهره وإلا لزمت العدة فيما لو طلقها بعد أن مسها بيده في غير خلوة مع أنها لا تلزم في ذلك بلا خلاف علم أنه كني به عن معنى آخر من لوازم الاتصال فهو الجماع وما في معناه من الخلوة الصحيحة، وفيه نظر لأن عدم صحة إرادة ظاهرة لا يوجب إرادة ما يعم الجماع والخلوة لم لا يجوز إرادة الجماع ويرجحها شهرة الكناية بذلك ونحوه عن الجماع، وإطلاقه عليه إما من إطلاق اسم السبب على المسبب أو من إطلاق اسم المطلق على أخص بخوصه وهو الأوجه على ماذكره العلامة ابن الهمام، وبالجملة القول بأن ظاهر الآية يقتضي عدم وجوب العدة بمجرد الخلوة قول متين وحق مبين فتأمل.
وفي البحر لأبي حيان الظاهر أن المطلقة إذا راجعها زوجها قبل أن تنقضي عدتها ثم فارقها قبل أن يمسها لا تتم عدتها من الطلقة الأولى لأنها مطلقة قبل الدخول بها وبه قال داود وقال عطاء وجماعة: تمضي في عدتها عن طلاقها الأول وهو أحد قولي الشافعي، وقال مالك: لا تبني على العدة من الطلاق الأول وتستأنف العدة من يوم طلقها الطلاق لثاني وهو قول جمهور فقهاء الأمصار، والظاهر أيضًا أنها لو كانت بائنًا غير مبتوتة فتزوجها في العدة ثم طلقها قبل الدخول فكالرجعية في قول داود ليس عليها عدة لابقية عدة الطلاق الأول ولا استئناف عدة للثاني ولها نصف المهر؛ وقال الحسن: وعطاء وعكرمة وابن شهاب ومالك والشافعي وعثمان البيتي وزفر: لها نصف الصداق وتتم بقية العدة الأولى، وقال الثوري والأوزاعي وأبو حنيفة وأبو يوسف: لها مهر كامل للنكاح الثاني وعدة مستقبلة جعلوها في حكم المدخول بها لاعتدادها من مائه. اهـ.
وفيه أيضًا الظاهر أن الطلاق لا يكون إلا بعد العقد فلا يصح طلاق من لم يعقد عليها وهو قول الجمهور من الصحابة والتابعين.
وقالت طائفة كثيرة منهم مالك يصح ذلك وعنى بطلاق من لم يعقد عليها قول الرجل كل امرأة أتزوجها فهي طالق أو إن تزوجت فلانة فهي طالق.
وقد أخرج جماعة عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه سئل عن ذلك فقال: هو ليس بشيء فقيل له: إن ابن مسعود كان يقول إن طلق ما لم ينكح فهو جائز فقال: أخطأ في هذا وتلا الآية.
وفي بعض الروايات أنه قال: رحم الله تعالى أبا عبد الرحمن لو كان كما قال لقائل الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا طلقتم المؤمنات ثم نكحتموهن} ولكن إنما قال: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الله وكفى بالله وَكِيلًا يا أيها الذين ءامَنُواْ إِذَا نَكَحْتُمُ المؤمنات ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ}.
وفي الدر المنثور عدة أحاديث مرفوعة ناطقة بأن لإطلاق قبل نكاح، والمذكور في فروعنا أن ذلك من باب التعليل وشرطه الملك أو الإضافة إليه فإذا قال: إن نكحت امرأة فهي طالق أو إن نكحتك فأنت طالق وكل امرأة أنكحها فهي طالق يقع الطلاق إذا نكح لأن ذلك تعليق وفيه إضافة إلى الملك ويكفي معنى الشرط إلا في المعينة باسم ونسب كما إذا قال: فلانة بنت فلان التي أتزوجها فهي طالق أو بإشارة في الحاضرة كما لو قال: هذه المرأة التي أتزوجها طالق فإنها لا تطلق في الصورتين لتعريفها فلغا الوصف بالتي أتزوجها فصار كأنه قال: فلانة بنت فلان أو هذه المرأة طالق وهي أجنبية ولم توجد الإضافة إلى الملك فلا يقع الطلاق إذا تزوجها فتدبر.
وقرىء {تماسوهن} بضم التاء وألف بعد الميم، وعن ابن كثير وغيره من أهل مكة {عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} بتخفيف الدال ونقلها عن ابن كثير ابن خالويه وأبو الفضل الرازي في اللوامح عنه وعن أهل مكة، وقال ابن عطية: روى ابن أبي بزة عن ابن كثير أنه قرأ بتخفيف الدال من الدعوان كأنه قال: فما لكم عدة تلزمونها عدوانًا وظلمًا لهن، والقراءة الأولى أشهر عنه وتخفيف الدال وهم من ابن أبي بزرة. اهـ.
وليس بوهم إذ قد نقله عنه جماعة غيره، وخرج ذلك على أن {تَعْتَدُّونَهَا} من الاعتداء بمعنى الظلم كما في قوله تعالى: {وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لّتَعْتَدُواْ} تعتدون فيها كقوله:
ويومًا شهدناه سليمًا وعامرا ** قليل سوى طعن الدراك نوافله

أي شهدنا فيه فحذف حرف الجر ووصل الفعل بالضمير، وقال أبو حيان: إن الاعتداء يتعدى بعلى فالمراد تعتدون عليهن فيها، ونظيره في حذف على قوله:
تحن فتبدي ما بها من صبابة ** وأخفى الذي لولا الأسى لقضاني

فإنه أراد لقضى على، وجوز أن يكون ذلك على إبدال أحد الدالين بالتاء، وقيل عليه: إنه تخريج غير صحيح لأن عد يعد من باب نصر كما في كتب اللغة فلا وجه لفتح التاء لو كانت مبدلة من الدال فالظاهر حمله على حذف إحدى الدالين تخفيفًا، وقرأ الحسن بإسكان العين كغيره وتشديد الدال جمعًا بين الساكنين {تَعْتَدُّونَهَا فَمَتّعُوهُنَّ} أي فأعطوهن المتعة وهي في المشهور درع أي قميص وخمار وهو ما تعطي به المرأة رأسها وملحفة وهي ما تلتحف به من قرنها إلى قدمها ولعلها ما يقال له إزار اليوم، وهذا على ما في البدائع أدنى ما تكسي به المرأة وتتستر عند الخروج.
ويفهم من كلام فخر الإسلام والفاضل البر جندي أنه يعتبر عرف كل بلدة فيما تكسي به المرأة عند الخروج، والمفتي به الأشبه بالفقه قول الخصاف إنها تعتبر بحالهما فإن كانا غنيين فلها الأعلى من الثياب أو فقيرين فالأدنى أو مختلفين فالوسط، وتجب لمطلقة قبل الوطء والخلوة عند معتبرها لم يسم لها في النكاح تسمية صحيحة من كل وجه مهر ولا تزيد على نصف مهر المثل ولا تنقص عن خمسة دراهم فإن ساوت النصف فهي الواجبة وأن كان النصف أقل منها فالواجب الأقل إلا أن ينقص عن خمسة دراهم فيكمل لها الخمسة، وفي البدائع لو دفع لها قيمة المتعة أجبرت على القبول، فمعنى الآية على ما سمعت وكان الأمر للوجوب فمتعوهن إن لم يكن مفروضًا لهن في النكاح وروى هذا عن ابن عباس، وأما المفروض لها فيه إذا طلقت قبل المس فالواجب لها نصف المفروض لا غير.
وأما المتعة فهي على ما في المبسوط والمحيط وغيرهما من المعتبرات مستحبة، وعلى ما في بعض نسخ القدوري ومشى عليه صاحب الدرر غير مستحبة أيضًا والأرجح أنها مستحبة، وفي قول الشافعي القديم أنها واجبة كما في صورة عدم الفرض، وجوز أن تبقى الآية على ظاهرها ويكون المراد ذكر حكم المطلقة قبل المس سواء فرض لها في النكاح أم لم يفرض ويراد بالمتعة العطاء مطلقًا فيعم نصف المفروض والمتعة المعروفة في الفقة ويكون الأمر للوجوب أيضًا أو يراد بالمتعة معناها المعروف ويحمل الأمر على ما يشمل الوجوب والندب.
وادعى سعيد بن المسيب كما أخرج عبد بن حميد أن الآية منسوخة بآية البقرة {وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237] قال: فصار لها نصف الصداق ولا متاع لها، وأنكر الحسن وأبو العالية النسخ وقالا لها نصف الصداق ولها المتاع.
وجاء في رواية أخرى أخرجها عبد بن حميد عن الحسن أيضًا أن لكل مطلقة متاعًا دخل بها أم لم يدخل بها فرض لها أو لم يفرض، وظاهره دعوى الوجوب في الكل وهو خلاف ما عندنا، وقد علمت الحكم في صورتين وهو في الصورتين الباقيتين الاستحباب؛ وأما دعوى النسخ فلايخفى ما فيها، والظاهر أن الفاء لتفريع ما بعدها على ما قبلها، وقيل: فصيحة أي إذا كان كما ذكر فمتعوهن {وَسَرّحُوهُنَّ} أي أخرجوهن من منازلكم إذ ليس لكم عليهن عدة وأصل التسريح أن ترعى الإبل السرح وهو شجر له ثمرة ثم جعل لكل إرسال في الرعي ثم لكل إرسال وإخراج {سَرَاحًا جَمِيلًا} مشتملًا على كلام طيب عاريًا عن أذى ومنع واجب، وقيل: السراح الجميل أن لا يطالبوهن بما آتوهن، وقال الجبائي هو الطلاق السني، وليس بشيء لأن ذاك لعطفه على التمتيع الواقع بعد الفاء مرتب على الطلاق فيلزم ترتب الطلاق السني على الطلاق والضمير لغير المدخول بهن فلا يمكن أن يكون ذلك طلاقًا مرتبًا على الطلاق الأول لأن غير المدخول بهن لا يتصور فيها لحوق طلاق بعد طلاق آخر مع أنها إذا طلقت بانت.
{يا أيها النبى إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أزواجك اللاتى ءاتَيْتَ أُجُورَهُنَّ} أي مهورهن كما قال مجاهد، وغيره وأطلق الأجر على المهر لأنه أجر على الاستمتاع بالبضع وغيره مما يجوز به الاستمتاع وتقييد الإحلال له بإعطائها معجلة كما يفهم من معنى {ءاتَيْتَ} ظاهرًا ليس لتوقف الحل عليه بل لإيثار الأفضل له صلى الله عليه وسلم فإن في للتعجيل براءة الذمة وطيب النفس ولذا كان سنة السلف لا يعرف منهم غيره، وقال الإمام: من الناس من قال بأن النبي عليه الصلاة والسلام كان يجب عليه إعطاء المهر أولًا وذلك لأن المرأة لها الامتناع من تسليم نفسها إلى أن تأخذ المهر والنبي صلى الله عليه وسلم ما كان يستوفي ما لا يجب له والوطء قبل إيتاء الصداق غير مستحق وإن كان حلالًا وكيف والنبي عليه الصلاة والسلام إذا طلب شيئًا حرم الامتناع فلو طلب التمكين قبل إيتاء المهر لزم أن يجب وأن لا يجب وهو محال ولا كذلك أحدنا. اهـ.
وفيه بحث لا يخفى، وحمل الإيتاء على الإعطاء وما في حكمه كالتسمية في العقد، وجعل التقييد لإيثار الأفضل أيضًا فإن التسمية أولى من تركها وإن جاز العقد بدونها ولزم مهر المثل خلاف الظاهر.
واستدل أبو الحسن الكرخي من أصحابنا بقوله تعالى: {يا أيها النبى إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أزواجك اللاتى} على أن النكاح ينعقد بلفظ الإجارة كما ينعقد بلفظ التزويج ويكون لفظ الإجارة مجازًا عنه لأن الثابت بكل منهما ملك منفعة فوجد المشترك ورد بأنه لا يلزم من تسمية المهر أجرًا صحة النكاح بلفظ الإجارة وما ذكر من التجوز ليس بشيء لأن الإجارة ليست سببًا لملك المنفعة حتى يتجوز بها عنه قاله في الهداية، وقال بعضهم: إن الإجارة لا تنعقد إلا مؤقتة والنكاح يشترط فيه نفيه فيتضادان فلا يستعار أحدهما للآخر.
وتعقب بأنه إن كان المتضادان هما العرضين اللذين لا يجتمعان في محل واحد لزمكم مثله في البيع من كونه لا يجامع النكاح مع جواز العقد به عند الأصحاب، على أن التحقيق أن التوقيت ليس مفهوم لفظ الإجارة ولا جزا منه بل شرط لاعتباره فيكون خارجًا عنه فهو مجرد تمليك المنافع بعوض غير أنه إذا وقع مجردًا لا يعتبر شرعًا على مثال الصلاة فإنها الأقوال والأفعال المعروفة ولو وجدت من غير طهارة لا تعتبر، ولا يقال: إن الطهارة جزء مفهوم الصلاة هذا ومثل تقييد إحلال الأزواج بما ذكر على ما قيل تقييد إحلال المملوكة بكونها ممن باشر سباءها وشاهده في قوله تعالى: {وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاء الله عَلَيْكَ} فإن المشتراة لا يتحقق بدء أمرها وما جرى عليه الجواز كون السبي ليس في محله، ولذا نكح بعض المتورعين الجواري بعقد بعد الشراء مع القول بعدم صحة العقد على الإماء.
واستشكل ذلك بمارية بنت شمعون القبطية رضي الله تعالى عنها فإنها لم تكن مسبية بل أهداها له صلى الله عليه وسلم أمير القبط جريج بن مينا صاحب الإسكندرية ومصر.
وأجيب بأن هذا غير وارد لأن هدايا أهل الحرب للإمام لها حكم الفيء، وقد يقال: إنه يستشكل بسرية له صلى الله عليه وسلم أخرى وهي جارية وهبتها له عليه الصلاة والسلام زينب بنت جحش رضي الله تعالى عنها وكان هجرها عليه الصلاة والسلام في شأن صفية بنت حيي ذا الحجة والمحرم وصفر فلما كان شهر ربيع الأول الذي قبض فيه رضي الله تعالى عنها ودخل عليها فقالت ما أدري ما أجزيك فوهبتها له وقد عدوها من سراريه صلى الله عليه وسلم والجواب المذكور لا يتسنى فيها، ولعل الجواب عن ذلك أنه عليه الصلاة والسلام تسراها بيانًا للجواز ولا يبعد أنه كان متحققًا بدء أمرها وما جرى عليها بحيث كأنه باشر سبيها وشاهده، ويحتمل أنها كانت مما أفاء الله تعالى عليه عليه الصلاة والسلام فملكتها زينب بعض أسباب الملك ثم وهبتها له صلى الله عليه وسلم.
ومع ذلك قد أطلق عليه الصلاة والسلام حل المملوكة بعد ولم يقيد بحسب الظاهر بكونها مما أفاء الله عليه في قوله تعالى: {لاَّ يَحِلُّ لَكَ النساء مِن بَعْدُ وَلاَ أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلاَّ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ} [الأحزاب: 52].
ثم إن هبة هذه الجارية كانت شهر وفاته صلى الله عليه وسلم والآية نزلت قبل لأنها نزلت أما سنة الأحزاب وهي السنة الخامسة من الهجرة وإما بعيد الفتح وهو السنة الثامنة منها وعلى هذا يكون ما وقع من أمر مارية متقدمًا على نزول الآية لأنها أهديت له صلى الله عليه وسلم السنة السابعة من الهجرة فإنه عليه الصلاة والسلام فيها أرسل رسله إلى الملوك ومنهم حاطب بن أبي بلتعة اللخمي أرسله إلى المقوقس أمير القبط المتقدم ذكره فقدم منه بمارية وبأختها شيرين وبأخ أو بابن عم لها خصي يقال له مابور وببغلة تسمى دلدلا وبحمار يسمى يعفورا أو عفيرًا وبألف مثقال ذهبًا وبغير ذلك فتدبر، ومثل ما ذكر على ما قيل تقييد القرائب بكونها مهاجرات معه صلى الله عليه وسلم في قوله سبحانه: {وَبَنَاتِ عَمّكَ وَبَنَاتِ عماتك وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خالاتك اللاتى هاجرن مَعَكَ} فهن أفضل من غيرهن، والمعية للتشريك في الهجرة لا للمقارنة في الزمان كأسلمت مع سليمان، قال أبو حيان: يقال دخل فلان معي وخرج معي أي كان عمله كعملي وإن لم يقترنا في الزمان، ولو قلت: خرجنا معًا اقتضى المعنيين الاشتراك في الفعل والاقتران في الزمان وهو كلام حسن، وحكى الماوردي قولًا بأن الهجرة شرط في إحلال الأزواج على الإطلاق وهو ضعيف جدًا.
وقولًا آخر بأنها شرط في إحلال قراباته عليه الصلاة والسلام المذكورات واستدل له بما أخرجه بن سعد وعبد بن حميد والترمذي وحسنه وابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي عن أم هانئ فاخته بنت أبي طالب قالت: خطبني رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعتذرت إليه فعذرني فأنزل الله تعالى: {جَمِيلًا يا أيها النبى إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أزواجك} إلى قوله سبحانه: {هاجرن مَعَكَ} قالت فلم أكن أحل له لأني لم أهاجر معه كنت من الطلقاء وأجيب بأن عدم الحل لفقد الهجرة إنما فهم من قول أم هانئ فلعلها إنما قالت ذلك حسب فهمها إياه من الآية وهو لا ينتهض حجة علينا إلاإذا جاءت به رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم، لا يقال: إنه أخرج ابن سعد عن أبي صالح مولى أم هانئ قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم أم هانئ بنت أبي طالب فقالت: يا رسول الله إني مؤتمة وبنى صغار فلما أدرك بنوها عرضت نفسها عليه عليه الصلاة والسلام فقال: أما الآن فلا إن الله تعالى أنزل على {وَبَنَاتِ عَمّكَ وَبَنَاتِ عماتك وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خالاتك اللاتى هاجرن مَعَكَ} ولم تكن من المهاجرات وهو يدل على أنه نفسه صلى الله عليه وسلم فهم الحرمة وإلا لتزوجها لأنا نقول بعد تسليم صحة الخبر؛ لا نسلم أنه صلى الله عليه وسلم فهم الحرمة وعدم التزوج يحوز أن يكون لكونه خلاف الأفضل، ويدل خبر أم هانئ على أن هذه الآية نزلت بعد الفتح فلا تغفل.